JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

العودة من بين الأموات: حكاية مصطفى

  

العودة من بين الأموات: حكاية مصطفى

في خريف عام 1995، كانت مدينة الأغواط الجزائرية تعيش على وقع صدى سنوات من الرعب والترقب. في تلك الفترة التي أُطلق عليها لاحقًا اسم "العشرية السوداء"، كانت الأخبار تتناقل عن الجماعات المسلحة والاغتيالات والكمائن التي تحصد أرواح الأبرياء. وسط هذه الأجواء القاتمة، كان مصطفى، شاب في ريعان شبابه، يعيش حياة بسيطة وهادئة مع والدته الحنون، فاطمة.

مصطفى وفاطمة: قصة حب أم وابنها

كان مصطفى كل شيء بالنسبة لفاطمة. فقدت زوجها في حادث مرور قبل سنوات، ومنذ ذلك الحين، كرست حياتها لتربية مصطفى ورعايته. كانت تعمل خياطة بسيطة، تكد وتجتهد لتوفير لقمة العيش له ولها. كانت تخاف عليه من كل شيء، وتعتبره سندها الوحيد في هذه الدنيا.

مصطفى من جانبه، كان شابًا طيب القلب، محبًا لوالدته، مجتهدًا في عمله كميكانيكي في ورشة صغيرة في المدينة. كان يحلم بمستقبل أفضل له ولأمه، وأن يتمكن من توفير حياة كريمة لها تعوضها عن سنوات التعب والشقاء.

الاستدعاء المشؤوم

في أحد الأيام، وصل إلى منزل مصطفى استدعاء لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية. كانت فاطمة تعرف أن هذا اليوم سيأتي لا محالة، لكنها لم تتخيل أبدًا أن خوفها وقلقها سيكونان بهذا الحجم. كانت تعلم أن الوضع الأمني في البلاد متدهور للغاية، وأن الخدمة العسكرية في هذه الظروف تعني الموت المحقق.

حاولت فاطمة بشتى الطرق تأجيل التحاق مصطفى بالجيش، لكن دون جدوى. كان القانون صارمًا، ولا يمكن لأحد تجاوزه. في النهاية، استسلمت فاطمة للأمر الواقع، وقررت أن تودع ابنها وتدعو له بالسلامة.

في يوم الوداع، كانت فاطمة تبكي بحرقة، وتتشبث بمصطفى وكأنها لن تراه مرة أخرى. كانت كلماتها الأخيرة له: "يا ولدي، انتبه لنفسك، وارجع لي سالمًا غانمًا. أنا لا أستطيع العيش بدونك."

التدريب القاسي في تقرت

بعد أيام من التدريب القاسي في مركز التدريب العسكري في تقرت، بدأ مصطفى يشعر بوطأة المسؤولية والخوف. كان التدريب شاقًا ومرهقًا، وكان الضباط يعاملون الجنود الجدد بقسوة طبعا حتى ينتجو جنودا قساة على العدو. كان مصطفى يشتاق إلى أمه، ويحن إلى أيام حياته الهادئة في الأغواط.

كان مصطفى يحاول التأقلم مع الوضع الجديد، ويتعاون مع زملائه الجنود لتجاوز هذه المرحلة الصعبة. كان يرى فيهم إخوة له، ويشاركهم همومهم وأحلامهم.

النقل إلى سيدي بلعباس: بداية النهاية

بعد فترة التدريب، نُقل مصطفى مع زملائه إلى ثكنة عسكرية في سيدي بلعباس، وهي منطقة تشهد اشتباكات مستمرة بين الجيش والجماعات المسلحة. كانت الأجواء في الثكنة مشحونة بالخوف والتوتر، والجميع يسمعون عن عمليات تمشيط تنتهي بمصائر مجهولة.

في إحدى الليالي، استدعى الضابط المسؤول مصطفى وزملاءه، وأخبرهم أنهم سيشاركون في عملية تمشيط في الغابات المجاورة للثكنة. كانت مهمتهم هي البحث عن عناصر مسلحة والقضاء عليها.

كان مصطفى يشعر بالخوف والقلق، لكنه لم يكن لديه خيار سوى الطاعة. كان يعلم أن رفض الأوامر العسكرية يعني العقاب الشديد، وربما الموت.

كمين الغابة: ليلة الرعب

في الليلة المشؤومة، خرج مصطفى وزملاؤه إلى الغابة. كانت الليلة مظلمة وباردة، والأشجار الكثيفة تحجب ضوء القمر. كانوا يمشون بحذر وترقب، يحاولون سماع أي صوت غريب أو حركة مريبة.

فجأة، اندلعت النيران من كل اتجاه. تعرضت المجموعة لكمين مُفاجئ من قبل عناصر مسلحة كانت مختبئة في الغابة. انفجرت الرصاصات من كل اتجاه، وسقط رفاق مصطفى واحدًا تلو الآخر.

حاول مصطفى الاحتماء خلف شجرة، لكنه أصيب بطلق ناري في صدره. شعر بألم حاد يسري في جسده، ثم فقد الوعي وسقط على الأرض. كانت آخر كلمات سمعها هي صراخ أحد زملائه: "استودعكم الله!"

هنا لم تكن ام مصطفى تعرف مذا يجري لبنها بسبب عدم التواصل في تلك الفترة

بعد انتهاء الاشتباك، جمع الجنود الجثث ونقلوها إلى مستشفى تلمسان. كان مصطفى من بين الجثث، واعتُقد أنه مات مع الآخرين.

في غرفة الموتى: بين الحياة والموت

في غرفة الموتى، حيث يسود الصمت المخيف والهدوء القاتل، كانت الممرضة عائشة تقوم بواجبها في توديع الجثث قبل تسليمها لأهلها. كانت عائشة ممرضة متفانية في عملها، وكانت تشعر بالحزن والألم لرؤية هؤلاء الشباب الذين فقدوا حياتهم في هذه الحرب اللعينة.

بينما كانت عائشة تتفقد الجثث، سمعت أنينًا خافتًا يأتي من إحدى الجثث. اقتربت عائشة بحذر، وتفاجأت بأن مصطفى لا يزال على قيد الحياة، لكنه في حالة حرجة!

عائشة: ملاك الرحمة العلني

لم تتردد عائشة لحظة واحدة في إنقاذ مصطفى، قررت عائشة أن تتصرف بشفافية. استدعت على الفور الطبيب المسؤول وأخبرته بما رأت. في البداية، كان الطبيب متشككًا، لكن بعد أن تأكد بنفسه من أن مصطفى لا يزال يتنفس، أمر بنقله فورًا إلى غرفة العمليات.

كان الوضع حرجًا للغاية، وكان مصطفى بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة لإنقاذ حياته. قامت عائشة بمساعدة الأطباء في إجراء العملية، وكانت تدعو الله أن ينجو مصطفى.

الشفاء التدريجي: أمل جديد تحت الأضواء

مرت أيام وأسابيع، وتحسنت حالة مصطفى تدريجياً. بدأت جروحه تلتئم، وبدأ يستعيد وعيه. كانت عائشة تزوره بانتظام في المستشفى. كانت تعتبره بمثابة ابنها، وكانت سعيدة برؤيته يتعافى.

أصبحت قصة مصطفى وعائشة حديث المدينة. تحدثت الصحف والإذاعات عن الممرضة الشجاعة التي أنقذت حياة جندي من الموت المحقق. وتم تكريم عائشة 

عندما استعاد مصطفى وعيه كلياً، حكت له عائشة كل ما حدث. أخبرته كيف وجدته في غرفة الموتى، وكيف قام الأطباء بإجراء عملية جراحية لإنقاذ حياته، وكيف أصبحت قصتهما معروفة للجميع. كان مصطفى ممتنًا لعائشة إلى الأبد، ويعتبرها ملاكًا أنقذه من الهلاك.

العودة إلى الأغواط: لم الشمل في دائرة الضوء

بعد أن تعافى مصطفى تمامًا، تم تسريحه من المستشفى. قررت عائشة مرافقته إلى الأغواط، لكي تتأكد بنفسها من أنه سيعود إلى أمه سالمًا غانمًا.

عندما وصل مصطفى وعائشة إلى الأغواط، كانت فاطمة تنتظر مصطفى بفارغ الصبر، وكانت تبكي من الفرح لرؤية ابنها حيًا وسالمًا.

اللقاء المؤثر: دموع الفرح في العلن

عندما رأت فاطمة مصطفى، ركضت نحوه واحتضنته بقوة. كانت تبكي وتضحك في نفس الوقت، ولم تصدق عيناها أنها ترى ابنها حيًا أمامها.

"يا ولدي! يا حبيبي! كيف عدت؟ ظننت أن الموت اختطفك مني!"، كانت هذه الكلمات التي نطقت بها فاطمة وهي تحتضن مصطفى بقوة.

شكرت فاطمة عائشة من أعماق قلبها، وأخبرتها بأنها لن تنساها أبدًا. ازدادت الصلة بين العائلتين، وأصبحوا أصدقاء مقربين.

زيارة تلمسان: شكر وعرفان علني

بعد أيام قليلة، أقامت مدينة الأغواط حفل تكريم كبير لعائشة وفاطمة ومصطفى. حضر الحفل شخصيات بارزة في المجتمع. تم تكريم عائشة ومنحها وسام الاستحقاق، وتم تكريم فاطمة لكونها أمًا صبورة ومثابرة، وتم تكريم مصطفى لكونه رمزًا للأمل والصمود.

الحب يتفتح: قصة ليلى ومصطفى

بمرور الوقت، نشأت قصة حب بين مصطفى وابنة عائشة، ليلى. كانت ليلى أيضًا ممرضة شابة، وكانت تعمل في نفس المستشفى الذي تعمل فيه والدتها.

كانت ليلى معجبة بشخصية مصطفى القوية والمرحة، وكانت تحبه لصدقه وإخلاصه. كان مصطفى معجبًا بجمال ليلى وأخلاقها الحميدة، وكان يحبها لحنانها وعطفها.

بعد فترة من الخطوبة، تزوج مصطفى وليلى، وأقاموا حفل زفاف بسيط حضره الأهل والأصدقاء. كان الزواج بمثابة تتويج لقصة حب بدأت في ظروف صعبة وقاسية، ولكنها انتهت بنهاية سعيدة.

نهاية سعيدة: شمعة أمل في الظلام

وهكذا، في وسط الظلام الذي خيم على الجزائر في تلك الفترة، أضاءت قصة مصطفى شمعة أمل، تذكر الناس بأن حتى في أحلك اللحظات، قد تأتي المعجزات من حيث لا يحتسبون. قصة مصطفى وعائشة لم تكن مجرد قصة شخصية، بل أصبحت رمزًا للصمود والأمل والتضامن الوطني.

عاش مصطفى وليلى حياة سعيدة وهانئة، وأنجبوا أطفالًا أصبحوا فخرًا لهم. لم ينس مصطفى أبدًا فضل عائشة عليه، وكان يعتبرها بمثابة أمه الثانية.

تذكر مصطفى دائمًا تلك الليلة المشؤومة في الغابة، وكيف أن الموت كان قريبًا منه. كان يشعر بالامتنان لأنه نجا من الموت بأعجوبة، وكان يحاول أن يعيش حياته بكل ما فيها من فرح وحزن.

تعلم مصطفى أن الحياة قصيرة وثمينة، وأنه يجب على الإنسان أن يستغل كل لحظة فيها لعمل الخير ومساعدة الآخرين. كان مصطفى يعتبر نفسه محظوظًا لأنه حصل على فرصة ثانية للحياة، وكان مصممًا على أن يجعل حياته تستحق هذه الفرصة.

وهكذا، انتهت قصة مصطفى، قصة العودة من بين الأموات، قصة الحب والأمل، قصة الانتصار على الظلام، وقصة أثرت في وجدان الأمة بأسرها.


الاسمبريد إلكترونيرسالة